السبت، 11 ديسمبر 2010

ويكي ليكس ؟؟؟

لا حديث هذه الأيام إلا عن موقع ويكليكس ومؤسس ويكيليكس والوثائق التي ينشرها ويكيليكس، ومن أين تم تحصيلها وكيف وصلت إلى أسانج ومن هي الجهة التي دفعته ودعمته ؟ أسئلة كثيرة طرحت ومازالت لعظم الحرج الذي سببه نشر أسرار الديبلوماسية الأمريكية لمدة سنوات، وجعلها مصدرا مفتوحا أما م العالم للإطلاع والنقل والنشر ...
ربما لم يدر في خلد الأمريكيين وهم يبشرون ببزوغ عصر المعلومات والشبكات أنهم أو على الأقل بلدهم سيكون أكبر ضحية للرواج الفائق السرعة للبيانات، وهكذا ينقلب الثعبان السام على مروضه ليلذغه.
لا تهمنا هنا الجوانب السياسية للموضوع ولا التاريخية فلكل مجال أصحابه المتخصصون الذين يقلبون الأمور على وجوهها ويبدون وجهة نظرهم. وما يهمنا نحن أن نجيب عن سؤال بسيط: لماذا وقع ما وقع من نشر مئآت الآلاف من الرسائل السرية والتهديد بنشر المزيد، وقد ورد ذكر رقم مخيف هو 4 ملايين وثيقة؟؟
لاشك أن ما يسر النشر يتمثل في ما يلي:
1 - توفر وسائط النشر الإلكتروني، فهذه الوثائق كانت مصورة ومتاحة على الحاسوب مما جعل من السهولة نقلها ونسخها، وإذا كانت الوثائق الورقية المقيدة في سجلات أو الموضوعة في محافظ تحتاج إلى جهد لحملها واستخراج نسخ ورقية جديدة منها، كما انها تكون في الغالب الأعم محفوظة داخل خزائن محكمة الإغلاق ومحاطة بالحراسة والمراقبة، فإن الوثائق الإلكترونية مستعصية على المراقبة، فيمكن تسريبها، خاصة الوثائق النصية الخفيفة الوزن، مثل المنشورة على ويكيليكس، فهذه الأربعة ملايين وثيقة يمكن حفظها وحملها في رقاقفة ذاكرة صغيرة مثل المستعملة في الهواتف المحمولة، مما يمنع كشفها إلا إذا استعملت أجهزة استشعار حساسة للغاية، بل يمكن مع ذلك إخفاؤها بأساليب عدة وتسريبها من الخزائن المغلقة والمكاتب المراقبة، فالوثائق إذن وجدت طريقها السهل الميسر بسبب تقدم التقنية من حيث العتاد والبرمجيات.. إضافة إلى وجود عزم بشري وراء ذلك كله، ولكن لنتخيل لو أن أحد الموظفين أراد أن يسرب ملايين الوثائق الورقية، ماذا عليه أن يفعل وكيف يمكن أن ينقلها ؟؟ لذلك كان في الماضي تسريب وثيقة واحدة او بضعة وثائق عملا بطوليا تتبعها ضجة إعلامية تطيح بالرؤوس..
2 - انفجار ثورة الشبكات الرقمية والاتصالات الاجتماعية، لقد تضخمت شبكات الاتصال والتواصل وتوطدت الصلات بين الناس من مختلف أنحاء العالم وصار العالم قرية بل حيا صغيرا، واضحى الكم الهائل وفائق الضخامة من البيانات الكثيرة الرائجة خلال كل ذلك يمكن الراغبين المهرة من التسلل والتخفي والتواصل دون حسيب أو رقيب، إضافة إلى وجود رغبة عارمة عند المتصلين في معرفة الأسرار والاطلاع على الخفايا، لقد غذى الناس الشبكة العنكبوتية بفضولهم وتعطشهم للأخبار، فصارت وحشا جسورا، باحثا بضراوة عن الأخبار والخفايا والأسرار العلمية والتقنية وحتى السياسية، وها هو هذا الجوع المهول ينفجر من خلال وكيليكس الذي لفت إليه الأنظار وهو الموقع الصغير الضئيل الحجم الذي لا يزيد حجمه عن نصف جيغا بايت باحتساب الوثائق، ولعل هذا سبب قوته، بيانات كثيرة هائلة بوزن الريشة يمكن نقلها من مكان لمكان دون أن تصاب بأذى، وحتى إذا أصيبت نسخة سرعان ما يتم تعويضها بنسخة جديدة، خاصة أن الغرب المتقدم يتمتع بسرعة فائقة في الاتصال بالشبكة ونقل البيانات منها وإليها.
3 - عدم إدراك كثير من الناس التغييرات الضخمة التي وقعت في وسائل الاتصال وما سينتج عنها من تأثير كبير على المجتمع بجميع أبعاده، نعم يعرف الناس كلهم أن نقل البيانات تطور وصار أقوى وأسرع ولكنهم لم يعرفوا أبعاد ذلك وأثره على حياتهم وأسرارهم وبياناتهم.. كما يعرفون أيضا كيف تطورت سرعة الحواسيب وسعة التخزين، وكيف تسابقت الشركات في تطوير الأجهزة الأسرع والأصغر..ولكنهم لم يدركوا أثر ذلك على المجتمعات، ولعلها الثقة بالتقنية والظن بأنها خادم  مطيع لسيده لا يقوم إلا بما ينفعه،  ولذلك لم يتوقع أحد أن يتم هذا التسريب الضخم الأول من نوعه على مدى التاريخ لوثائق سرية.
4 - دخول الحاسوب إلى جميع جوانب الحياة البشرية، وارتباطه الشبكي يجعل الإنسان معرضا للتجسس وكشف بياناته الشخصية، وقد كان هذا من القضايا المطروحة في الغرب منذ زمن غير قصير، بل كانت مجال نزاع وصراع بين الشركات، وقد رأينا قبل أيام كيف حاولت شركة غوغل منع شبكة فايس بوك من تنزيل بيانات المشاركين في بريد جي مايل، ومع ذلك تمكنت الشبكة من التحايل ومواصلة التنزيل.. لذلك فالبيانات الحساسة والشخصية معرضة اكثر فأكثر للاختلاس والقرصنة، وهناك حروب كبيرة على الشبكة تجري كل يوم بلا ضجيج ولا إعلام أبطالها قراصنة تقف وراءهم دول أو شركات او منظمات تسرق أو على الأقل تحاول سرقة الأسرار من الخزائن المغلقة بالتحايل على الجدران النارية..وتنتهي المعارك ولا يعلن المنتصر ولا المنهزم ما جرى بينهما لأن من مصلحة كل منهما الصمت فالمنتصر يخفي ما وقع تحسبا لما سيأتي والمنهزم لا يريد أن يعرف أحد خسارته عملا بالمثل العربي خسارة السر كلها ربح، غير أن خسارة من خسر من السياسيين والأنظمة علنية هذه المرة، ومتواصلة معلنة بدء عهد جديد يسميه بعض المراقبين بعهد الشفافية ويلقبه آخرون بعهد انتهاء السرية..
خلاصة القول إن ما وقع من ويكيليكس ( بمعنى الفضح السريع) سيتواصل بأساليب جديدة وكثيرة فالتقنية تتطور لتصبح أقوى وأسرع، والارتباط الشبكي في طريقه ليصبح متاحا في كل مكان بلا أسلاك، وكل الحجب والجدران في طريقها إلى التحلل أمام قوة نفاذ التكنولوجيا، والانسان الذين سيكون بمنأى عنها هو أحد رجلين: إما من ينفق الأموال الطائلة للتحصن والمراقبة، وابتكار جدران إلكترونية فعالة ومتطورة، وإمام من يلقي كل ذلك وراء ظهره ليبقى مرتكسا في تخلفه التقني غير عابئ بمن يراقبه أو يختلس النظر إليه، مثل الرجل المملق جحا وقد نام في بيته مرة فدخل لص وصار يجوب الغرف ويقلب ما بها من أثاث رث لا يساوي شيئا فأزعج صاحب المنزل الذي قام إليه وقال له ابحث جيدا فلعلك تجد شيئا قيّما نقوم باقتسامه معا.