الأربعاء، 21 يوليو 2010

هوس التكنولوجيا..



أغرم الإنسان دائما بالجديد، وأحب الغريب المثير الحديث.. فحرص على امتلاك كل نافع مفيد أو جميل أنيق..فكان ذلك فطرة نشأ عليها وخلقا ركب فيه.. غير أن هذه الغرام أو تلك المحبة قد تتحول إلى ظاهرة غريبة أو أمر مثير حينما تملك على الإنسان عقله وتشغله وتدفعه للاهتمام بهذا الجديد.. والكلف بامتلاكه خاصة إن كان آلة أو اداة أو ثمرة من ثمار الصناعة التقنية المزدهرة في عصرنا..


هوس هاتف أي فون في اليابان


لاشك أن ظاهرة اصطفاف الناس أمام محلات بيع الهواتف المحمولة والحواسيب اللوحية تمثل هذه الظاهرة أفضل تمثيل.. فما أن أعلنت شركة إيبل عن موعد بيع هاتفها الجديد أي فون 4 أو حاسوبها اللوحي أي باد حتى سارع الناس إلى الاصطفاف أمام المحلات لساعات طويلة بل لأيام منتظرين دورهم للدخول إلى المحل التجاري واقتناء الجهاز الجديد.. بل رأيت أحد الأمريكيين يقيم في خيمة قرب محل البيع قبل أسبوع من طرح المنتج في السوق ليكون أول من يشتري الجهاز في مدينته.. ومن خلال مشاهدة الفيديو الملحق، نرى كيف بنتظر الناس، وكيف يتصرفون وكيف ترتسم مشاعر السعادة والسرور على وجوههم عندما يصل دورهم للدخول إلى المتجر.. وكيف يساعد عمال المتجر في رسم هذا الشعور عند المتسوقين حينما يستقبلونهم بالباب مصفقين ومهللين وكأن المتسوق حقق نجاحا كبيرا بإقدامه على الشراء؟؟ هل هذا هوس أم جنون أم كلف شديد بالجديد وبالتقنية؟ هل يستحق هذا الجهاز أن يعذب الإنسان نفسه لأجله ويتكبد كل هذا العناء؟ هل نهتم بالتقنية لأنها تساعدنا على تيسير أمور حياتنا فتكون بذلك وسيلة لا غاية؟ أم أنها تستعبدنا وتجعلنا نشعر بالسعادة لمجرد امتلاكها؟ 
  إن الجواب خليط من كل ذلك، فلاشك أن هذه الأجهزة بما تضمنته من جديد الابتكارات وعجيب التقنيات تيسر للناس كثيرا من أمور حياتهم، وتجعلهم يمارسون كثيرا من مهامهم بيسر وسهولة، غير أن هناك دافعا آخر جعل هذه الطوائف من الناس تضحي بالوقت وتتحلى بالصبر للوقوف في صفوف طويلة بانتظار لحظة الفرج والسعادة..
إنه الإعلام والضجة الدعائية المرافقة للتسويق، وهي سلاح التجار والصناع لترويج بضائعهم. لقد وضعت شركة إيبل خطة إعلامية محكمة لترويج منتجاتها حتى قبل ظهورها بالأسواق فبدأت بالإعلان عن المنتج بشكل مبهم، والإشارة إلى ما يتوفر عليه من ميزات مذهلة، وفعلت ذلك على شكل تسريبات غير رسمية تظهر في مدونات معينة اأمواقع أو صحف ومجلات باعتبارها سبقا إعلاميا، ثم جاء دور المواقع الاجتماعية على الشبكة العالمية والتي تستقطب ملايين الناس لتروج للمنتوجات عن طريق إثارة الأسئلة والاستفسارات ونشر الشائعات عن هذه الآلات، وحينما يكبر فضول الناس وتتكاثر الأسئلة وينتظر الناس على أحر من الجمر، تنشر صور للمنتوج وتكتب مقالات وتقارير وقد تعرض أشرطة فيديو قصيرة تظهر المنتج وتقنيات وما يتوفر عليه من ميزات، وهنا يكون الاهتمام قد بلغ أوجه وصارت البضاعة على كل لسان واهتمت مواقع التقنيات الجديدة على الشبكة وصفحات التقنيات في الصحف والمجلات بالباقي، لتنتهي هذه الجلبة العظيمة إلى انعقاد المؤتمر الرسمي للشركة لإعلان التسويق للمنتج وثمنه وعرض ميزاته على الملأ، ثم تبدأ مرحلة جديدة من الدعاية بالعروض التجريبية التي يقدمها المتخصصون في نختلف المنابر اللإعلامية، وكثير منها مدعوم من طرف الشركة المصنعة. إن هذه الدعاية نفسها حلقة في سلسلة من النضال لأجل البقاء، مؤسسة على التطاحن بين الشركات من أجل البقاء، واحتجان أوسع مساحة ممكنة تحت الشمس، ولعل ما نراه الآن، من اختفاء منتجات شركات منافسة لإيبل مثل هاتف "كين" من ماسكروسوفت أو هاتف " نيكسوس وان" من غوغل، وتذبذب مسيرة شركة نوكيا وشاكلها الإدارية وإقادمها على تغيير مدرائها في مختلف الفروع.. دليل على ما أقول.. هناك إذن حرب طاحنة على السوق وعلى الأرباح، هذه الحرب تدفع المتنافسين إلى استعمال كل السبل لاستقطاب الجمهور بتحديثات تقنية مذهلة ودعاية متقنة قد تخفي ما قد يكون في المنتج من نقائص وعيوب ( وعلى ذكر العيوب، فقد رأينا مؤتمر إيبل الأخير المنعقد بسبب عيب  كبير في هوائي هاتف أب فون 4). 
وإذا كانت شركة إيبل قد أنهت ضجتها الإعلامية الكبيرة عند الإعلان عند منتجيها الأخيرين، فقد جاء دور شركة أمازون لتحاول استرجاع حصتها من السوق بترويج قارئها الرقمي "كيندل"، وقد طلعت علينا برقم مدهش لتجاوز مبيعاتها من الكتب الرقمية  للورقية لأول مرة، قرأنا هذا الخبر مع إشارة بسيطة ولكن مهمة، وهي أن النسخ الرقمية تفوقت على الكتب الورقية المجلدة فقط، وليس على الكتب ذات الأغلفة من الورق المقوى، تفصيل بسيط ولكنه مهم في الإشارة إلى سبب هذا الإعلان في هذا الوقت بالذات..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق