الخميس، 12 أغسطس 2010

المورلوك والأيلوي..


تذكرت وأنا أتتبع منذ مدة التنافس العارم للشركات ومراكز البحث ودور النشر ومختبرات الأبحاث في مختلف بلاد العالم المتقدم في مجال الأجهزة الإلكتورنية للقراءة الرقميةن والسباق المحموم للفوز بحصص السوق من هذا المنتج الجديد المتطور، تذكرت رواية الكاتب الإنجليزي هربرت جورج ويلز  ، آلة الزمن، وهي رواية خيالية يصف فيها كاتبها ما وقع للإنسان بعد قرون من التطور  على درب الرأسمالية الاستغلالية المتوحشة، فبعد أن استنفذ الإنسان موارد الطاقة على الأرض وأدى إلى خرابها التام مما أثار كوارث بيئية هائلة أهلكت الحرق والنسل ولم ينج منها غير عدد قليل من الناس تطوروا إلى نوعين هم المورلوك سكان ما الكهوف والمغاور تحت الأرض والذيت تطوروا من أسلافهم عمال المناجم، والأيلوي وهم سكان سطح الأرض..وقد وصف الكاتب بدقة وإطناب أساليب عيش كل صنف وعلاقته بالصنف الآخر.. ولا يعنينا هنا الإلمام بتفصيل الرواية فهي متاحة للقراءة على الشبكة العالمية للمعلومات..

وما يهمنا نحن هنا هو الإشارة إلى الهوة الكبير الموجودة بين الدول المتقدمة والمتخلفة في مجال تداول الثقافة وإنتاج المعرفة ومشاركتها والاستفادة منها بواسطة التقنيات المتقدمة، فحينما نتطلع إلى الغرب نجد حركة دائبة ومنافسة حادة في مجال تطوير الأوعية الرقمية للقراءة، ونجد من الناس إقبالا على هذه الآلات الجديدة ونجد الباحثين يواكبون هذا التطور الجذري في وسائل تداول المعرفة، نجد صمتا رهيبا في بلادنا العربية وانصرافا كليا عن هذه الثورة الكبيرة، ولعل من دلائل هذا الانصراف العجيب كون الشركات العالمية قد سوقت منتجاتها في كل البلاد الغنية المهتمة إلا البلاد العربية، ربما لأنها يئست من العثور على من يودون شراء منتجاتها.
يصنف بعض الباحثين سنة 2010 بكونها سنة الكتاب الإلكتروني بكل المواصفات، فبينما كان مجال إنتاج أجهزة القراءة محصورا بين فئة محدودة من المهتمين من المنتجين والمراقبين، إذا به يصبح شأنا عاما ومجال متابعة إعلامية حثيثة وأخذ ورد بين المتخصصين وعموم الناس، خاصة بعد تسويق أجهزة كيندل واخواتها من الأجهزة المستخدمة إما للحبر الإلكتروني أو الورق الإلكتروني، ثم ازدادت الحملة ضراوة بعد أن دخلت شركة إيبل مجال المنافسة بحاسوبها اللوحي الملون أي باد..وخلال ذلك توقفت مشاريع وانهارت اجهزة وفشلت مشاريع في تحول سريع..

يقع هذا كله في الغرب ولا نكاد نجد في بلادنا العربية حديثا عن هذا المجال الجديد المهم، لماذا؟ السبب واضح لأننا امة لا تقرأ. فالغرب اخترع هذه الأجهزة تحت ضغط الحاجة، فبسبب تقنيات التواصل والشبكات الرقمية تتاح كل يوم مئات بل آلاف الوثائق والمصادر والنصوص يستعصي  على أي إنسان ولو في مجال تخصص متابعتها بالطرق التقليدية، فكان لابد - لمواكبة هذا الانفجار المعرفي - تطوير ألات تمكن الغربي من استيعاب هذا الكم الهائل من المنتوج المعرفين واحتوائه في مرحلة أولى بهذه الأجهزة التي تتطور قدرتها التخزينية بشكل مطرد فمن 200 كتاب إلى ألف إلى 1500 إلى 3500 في جهاز كيندل الأخير..ثم سيأتس زمن تتطور فيه تقنيات التحليل الدلالي التي مازالت في بداياتها لتمكن الغربيين من إحتواء النصوص الكثيرة تبعا لمضامينها تحليلا وتصنيفا.
لقد كثر الحديث في الآونة الأخير ة عن الفجوة الرقمية بين الشرق والغرب، بين العالم المتقدم والعالم المتخلف( المسمى مجاملة بالنامي) ولعل مجال أجهزة القراءة والكتب الرقمية أبرز مجال تتجلى فيه هذه الفجوة المتعاظمة، نعم هناك مسايرة ومجاراة للعرب والمسلمين للغرب في مجال أجهزة الاتصال والحاسوب بأجياله وأنواعه المختلفة وفي مجال منصات الألعاب ووسائل التخزين، إلا أن المجاراة لما توجد في مجال القراءة..فالقراءة فعل معاناة، ودليل تطور المجتمع وكونه مجتمع معرفة متطور يقبل أبناؤه على العلم ويندمجون في مجالات البحث العلمي ويدعمونه.. أما مجتمعاتنا نحن فهي مجتمعات اللهو الترفيه والمتعة لذلك تهتم بالوسائل التي توفر لها ذلك في التقنيات الرقمية..
إن العالم الآن في مفترق طرق خطير ستتميز فيه مجتمعاته بين من يعد المعرفة العلمية أساس حياته فيبني عليها مستقبله مستغلا التقنيات والآلات، وبين من ينصرف للخمول والكسل وفكر الخرافة المأفونة بجميع أشكالها فيبقى مرتكسا في جهل وتخلف مركبين بعيدا عن مجرى الحياة والحضارة.
نعود هنا إلى رواية آلة الزمن لنقول إن المورلوك الذين امتلكوا التقنيات واستغلوها في الصناعة المعدنية تحت الأرض كانوا يتسللون تحت ظلام الليل الدامس إلى سطح الأرض ليتخطفوا بعض الإيلوي ليتخذوهم طعاما، بينما كان هؤلاء قابعين في قدرية عدمية منتظرين مصيرهم المحتوم دون محاولة النجاة من عدوهم بالرغم من أن بطل الرواية المسافر عبر الزمن حاول مرارا إقناعهم بالثورة على وضعهم وتغيير  ما بأنفسهم ليستطيعوا العيش بكرامة وحرية.

هناك تعليق واحد:

  1. لعل هربرت جورج ويلز محق ...فالتغيير يبدا بالفرد لينتهي بالجماعة ...فاذا كان الغرب متقدما على جميع المستويات (المستوى التكنورقمي على وجه الخصوص) ، فنحن من اتاح له فرصة التقدم ، ورجعنا نحن القهقرى ...لعل ما اشرتم اليه استاذنا صحيح من ان امة اقرآ لا تقرأ وفي هذا الصدد اتذكر قولة احد الصهاينة (سنخاف المسلمين عندما تمتلأ مساجدهم في صلاة الصبح و عندما يصبح استهلاكهم للخبز يعادل استهلاكهم للكتاب)

    ردحذف