الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

التقنية مهمة ولكن....

في هذه الصورة يبدو طلبة أفارقة من قرية أينياه في دولة غانا، في فصل دراسي وهم يحملون أجهزة القارىء الآلي من نوع كيندل من شركة أمازون، لتكون بديلا لهم عن الكتب الورقية التقليدية..
وقد تحققت هذه الخطوة التقنية بفضل التزام منظمة مدنية أمريكية أسسها أحد موظفي أمازون السابقين تحت اسم world reader، ومهمتها كما هو معلن في التعليق على الصورة على موقع المنظمة " وضع مكتبة بين يدي الأطفال والأسر في العالم الثالث بتوفير أجهزة القاراءة الإلكترونية"
 وقد زودت القرية بمحرك هوائي لتوليد الطاقة الكهربائية لتعبئة بطاريات القارئات الآلية، كما تم ربط القرية بشبكة هاتفية للتمكن من تنزيل الكتب من الشبكة والاختيار من بين 30 ألف كتاب من موقع مشروع غوتنبرغ، وتم عقد اتفاقية مع شركة أمازون لنشر الكتب الإفريقية رقميا وبيعها بثمن لا يتجاوز 5 دولارات للكتاب ( حوالي 40 درهما مغربيا).
جدير بالذكر أن القرية الغانية لا تتوفر على الكهرباء ولا على قنوات المياه العذبة ولا الصرف الصحي .. فهي قرية كقرى إفريقيا الكثيرة التي تعاني البؤس والفاقة..
إنها صورة نمطية مألوفة، صورة السائح الذي يحل بإحدى البلاد المتخلفة ليتحف السكان هناك ببعض ثمار التكنولوجيا، ليبهر الناس ويبين بشكل عملي تفوقه الفردي المستند إلى تفوق بلده ومواطنيه في مجال الصناعة التقنية، ويبرز في الآن ذاته الفرق الواسع بين مجتمعين أحدهما معتد بتقدمه والآخر مستخذ وملتحف بتخلفه.. ( أتذكر هنا حال بعض الباحثين الأنثربولوجيين حينما حلوا ببعض قرى الأمازون النائية التي مازالت تعيش بعيدا عن العالم المتمدن، وقد بهر هؤلاء مضيفيهم " البدائيين" بإهدائهم مرايا زجاجية صغيرة، قضى السكان عجبا منها ولبثوا أياما وأسابيع يتأملون وجوههم من خلالها.)
غير أن ما يهمنا هنا أن نطرح سؤالا ملحا - سبق  إليه الباحث الفرنسي المهتم بتطور التقنيات الرقمية فرانسيس بيزاني - هل تكفي التقنية لحل جميع المشاكل، وهل تقديم الأدوات الرقمية إلى التلاميذ في الدول المتخلفة سيحل المشكلة.. وقد علق على مقال الباحث الفرنسي عدد من المتتبعين الذين أشاروا إلى جوانب العمل الذي قامت به المنطمة الأمريكية ( يمكن الانتقال إليها هنـــا
ينبغي أن أنبه أولا إلى ملاحظة سبقني إليها الباحث الفرنسي، فهذا مشروع تجاري إشهاري محض بلباس خيري، وهل ستجد الشركة أفضل من هذه الصورة الإشهارية المختارة، ثمرة من ثمار التقنيات الرقمية المتطورة في بيئة إفريقية أصلية بممثلين طبيعيين من ذوي البشرة السمراء المبتسمين الفرحين بما لحقهم من بركات التكنولوجيا..
إن ما أريد أن انبه عليه هنا بل أذكّر به أن التقنية عامل مساعد إذا توفرت له شروط الإدماج في المجتمع والواقع، ومن ضمن هذه الشروط وعي الإنسان بعلاقته مع التكنولوجيا أولا ثم طرق الاستفادة منها لتغيير واقعه وتطويره للأفضل،  ورغبته الذاتية في تطوير حياته والسعي للنجاح وتحقيق الذات مع ما يتبع ذلك من بحث عن مجالات ذلك  التحقيق والصبر والمكابدة، ولا ننسى توفر العوامل المساعدة اجتماعية واقتصادية وسياسية، بحيث تتوفر للإنسان بيئة مساعدة من تجهيز  يوفر له العيش الكريم ولو في أدنى مراتبه، وتعليم مناسب وحرية في الاختيار وقدرة على الاستفادة من محيطه وإمكاناته الإبداعية دون إكراه أو استبداد.. إن توفر هذه الشروط او بعضها على الأقل، ووجود تصور واضح لمشروع اجتماعي ناجع في المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان المتعامل مع التكنولوجيا يمكنه بلا ريب من النجاح في استغلال التقنيات لصالحه، أم اتخاذها تحفة للتملي والانبهار أو التبرك والاعتقاد أن استيراد التقنية سيجعل الفرد أو مجتمعه متقدما متطورا فذلك احتفاء بالمظاهر وتمسك بالقشور لا يغني ولا يسمن.
إن ما تحتاجه المجتمعات الإفريقية حقيقة هو تنمية واقعية تعتمد على البشر، تنمية بشرية تروم تطوير قدرات الإنسان وتأهيله للوعي والتفكير عبر تمكينه من العيش الكريم وفسح المجال أمامه للتعلم والتثقف ليدرك وجوده وغاية هذا الوجود ولينطلق إلى المشاركة الفاعلة لبني مجتمعه في تحقيق " النحن " المنسجم المتفاهم.. وبناء مجتمع المعرفة المؤسس على العلم والنظام، وحينما تتوفر هذه الشروط وينطلق الإنسان للنهوض فلن يهمه آنذاك الترف التقني، وستكفيه الكتب الورقية والدفاتر والأقلام للتعبير عن ذاته وتحقيق كينونته المعرفية والانطلاق لاستجلاء عوالم الفكر والثقافة.. 
ختاما إن توفر إنسان ما على أفضل التقنيات وأحدثها لن يجعله ناجحا بالضرورة، كما أن حرمانه منها لن يجعله فاشلا قطعا. 

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا على طرحكم لهذا الموضوع الحساس ،الذي يدخل في صميم الواقع ...ولعل الانبهار بالتقدم على جميع المستويات خصوصا الرقمي يجعل الكثير منا لا يتعدى السطح الى العمق،ويركز على الشكل وينسى المضمون...وللغرب دور في ترسيخ هذه الأفكار ...فالجنوب جسد يشتكي من الجروح و الأورام و التقرحات فبدل اسعافه وعلاجه يكتفي الشمال بتعليق بعض القلادات و الأسوار المزيفة عليه (عذرا على استعمال تشبيهكم).

    ردحذف